أول من تحالف مع ابليس، فكان أول من تعلم منه السحر، ثم تحداه وتكبر عليه، ادعا انه الله فتحدثت عنه التوراة و الإنجيل و القرآن، تحدى الأنبياء والملائكة، إمتلك الأرض من المشرق للمغرب، سعى في الأرض فساداً الف عام أو أكثر، كنوزه أبهرت العالم أجمع انه (النمرود)
ولكن قبل بداية القصة يجب عليكم معرفة زمن هذه الشخصية، تعود الى الاف السنين قبل الميلاد فقصته واحداثها استوحت في الاساس من التاريخ و من سفر التكوين ولمن لا يعرف سفر التكوين فهو هو أول أسفار التوراة (أسفار موسى الخمسة) وهو جزء من التوراة العبرية..
سفر التكوين باختصار محتواه عن أحداث تبدأ مع بدء الخليقة وسيرة الأنبياء ومذكور فيه كيف خُلق الكون والإنسان وكيف اختار الله نوح لكي ينذر البشرية من الطوفان الذي كان قادما إليها ثم دعوة الله لإبراهيم وإسحاق ويعقوب فسفر التكوين يسرد الأحداث منذ بدء الخليقة إلى فترة حياة سيدنا يوسف ..
اما رسول الله سيدنا محمد فقد قال (ملك الدنيا أربعة ، مؤمنان وكافران ، أما المؤمنان فسليمان وذو القرنين والكافران (( النمرود )) وبختنصر وسيملكها خامس من أهل بيتي ).
وقال ابن كثير في (بداية ونهاية) أنه أول من وضع تاج على رأسه وتجبر (وكان قد طغا وتجبر وعتا وآثر الحياة الدنيا)
شخصية قصتنا هو الطاغية النمرود ملك شنعار وبابل وكان وفقاً لسفر التكوين ابن كوش وهو ابن حفيد سيدنا نوح عليه السلام و يُذكر في الإنجيل بأنه كان "جبار صيدٍ أمَام الرب، الذي ابْتدأ يَكون جبارًا في الأَرضِ"
ومن هنا تبدأ قصة نمرود كما كتبها لنا المؤرخون و الكتب الدينية و التاريخية ..
نمرود ابن الملك كوش والملك كوش هو الابن الأكبر ل حام ابن سيدنا نوح وأخ (مصرايم) أبو المصريين وأخ كنعان وذكر إسمه في سفر التكوين وفي سجلات الكتاب المقدس وتنسب اليه المملكة الكوشية ولديه تاريخ قديم ومتداخل مع شعوب شمال شبه الجزيرة العربية
واسم نمرود لم يكن اسمه الحقيقي فكلمة نمرود كانت صفة و معناها في المعجم : المتكبر الجبار .. ولكن تعددت اسماءه على مر التاريخ وكان الاسم الخاص فيه في التوراة ( نبوخذ نصر ) ولكننا سوف نستمر بقول النمرود ..
ذكر الكُتاب و الرواة والمؤرخين ان في يوم من الايام ساحرة الجمال والروعة كان يجلس في بهو قصر الملك كوش ابنه هذا الشاب الوسيم الذي كان عمره تجاوز ال ١٠٠ عام و الاعمار قديما كانت تتعدى ال ١٠٠٠ عام كان نمرود يتمتع بالجمال و جسد المقاتلين وكان يشتهر بحبه للأسود ..
بينما كان نمرود يجلس مع جواريه و وسط حراسه طوال القامة عمالقة الزمان وجد رجل عجوز متهالك يتجاوز الحرس و الجواري ويقف امامه مما لفت انتباه نمرود فباغته نمرود قائلا : كيف دخلت الى هنا ايها العجوز القبيح ؟
بعدها تجاوز العجوز في الرد واهان ابن الملك كوش وسط مملكته مما اغضب نمرود جدا و سحب رمح احد الحراس وقتل هذا العجوز و امر الحرس بإلقاءه كطعام للأسود التي كان يجمعها نمرود من الصيد ويحتفظ بها في قصره ..
بعد ايام وبينما كان نمرود جالس في غرفته بالقصر شاهد في اخر الغرفة وتحت ضوء المشاعل التي تضيء زوايا غرفته الواسعة شخص يقف مستندا على عصا فأقترب منه نمرود حتى ظهرت ملامح هذا الشخص .. نعم انه ذلك العجوز القبيح الذي قتله من قبل..
وفي لحظات لا تتجاوز غمضة العين اقترب ذلك العجوز من نمرود حتى اصبح ملاصقا له ، وقتها شعر نمرود بالخوف فكيف قتله ورماه للاسود وها هو يقف امامه ؟ وانطلق من لسانه سؤال مباشر : من انت ؟؟ ليرد عليه العجوز قائلاً: انا امير النور !
وقتها توقف عقل نمرود القديم عن التفكير وتوقفت حواسه عن الاستجابة الا حاسة السمع فإستمر ينصت لهذا المخلوق الذي اكمل قائلاً : انت المختار .. و انا الذي سيجعلك اعظم خلق الارض .. وانا الذي سيعلمك السحر .. وانا الذي سأجعلك تمتلك الارض وما عليها...
بعد ايام من هذا اللقاء تكررت المقابلة بين نمرود وهذا العجوز الذي لا يزال لا يعرف من هو ومن اين اتى ولكن هذه المرة لم يذهب العجوز لنمرود بل حدث العكس عندما خرج نمرود يبحث عنه في الجبال حتى وجده في احدى الكهوف جالسا على عرش كالملوك !
قاله له اقترب يا هذا فهل ما زلت لا تعلم من انا؟
وقتها ادرك نمرود انه يقف امام شيء غير طبيعي امام كائن ليس من طبيعة هذه الارض ليس مقاتل معتاد على لقاءه وليس بأحد الوحوش التي يخرج لاصطيادها بمهارة .. ليس ببشر قط !!
ان النمرود ذلك الامير الشاب ابن الملك العظيم كوش الذي كان يعيش حياته وسط الثراء والذهب و الجواري لم يكن على علم انه يقف امام امير النور حيث كان يطلق على نفسه .. يقف امام عزازيل .. يقف امام (ابليس)..
نعم كما يقول المؤرخين كان هذا اول لقاء يحدث على الارض بين ابليس و انسان بعد معجزة الطوفان الشهيرة لسيدنا نوح و بعد هذا اللقاء تعلم نمرود السحر من ابليس واصبح نمرود يعتقد ان ابليس اصبح احد جنوده ولكن في الحقيقة ان العكس كان صحيحًا..
بدأ نمرود في العصيان لكل من حوله فبدأ بوالده الملك كوش العظيم الذي استطاع مع ابليس ان يخطط للتخلص منه وقتله حتى يستولى على عرش المملكة الكوشية الساحرة والقوية ومن هنا تأتي فكرة التاج..
فكان اول من وضع على رأسه تاج ذهبي وارتدى خاتم ذهبي في اصبعه كان النمرود وقد اقتبس هذا الامر من ملوك الجان وبعد ارتداء تاج الملك قال جملته الشهيرة :
( نحن ملوك الدنيا والمالكون لما فيها )
بدأ عصر جديد من السطوة والقوة والسحر .. عصر من التجبر و القتل والدماء كان بطل هذا العصر نبوخذ نصر ابن كوش فطاح في الارض يقتل هنا وهناك و يستولى على كل شيء حتى وصل به الامر لما هو افظع فقرر ان يغزو السماء كما فعل بالارض ..
امر النمرود بجمع مئات الالاف من الرجال و قرر بناء برج يصل للسماء فكان هذا اول عجيبة من عجائب الدنيا السبع وهو برج بابل الشهير ويذكر بعض المؤرخين ان كلمة بابل كانت تعنى ( بوابة السماء )...
اتخذ النمرود من برج بابل قصر له وضع فيه عرشه الملكي الذي استمر ٤٠٠ سنة وفي الحقيقة كان عرش شيطاني لم يكن له مثيل وظل النمرود هكذا حتى تلك الليلة ... انها ليلة بداية الحرب على نمرود و اتباعه .. تلك الليلة التي كان بطلها ( مجرد حلم )
رأى في منامه كوكباً فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما ضوء و خرج من هذا الكوكب فارس يحارب النمرود وينتصر عليه، ففزع الملك واستدعى الكهنة والسحرة ليفسروا له الحلم فقالوا له : هو مولود يولد في ناحيتك هذه السنة تكون نهايتك ونهاية أهل بيتك على يديه..
فأمر جنوده بالتحرك فورًا وقتل كل الاطفال في مملكته فتحركت قواته تهاجم البيوت وتقتل كل طفل تجده سواء كان صغيرا او كبيرا وكان من ضمن هؤلاء الاطفال نبي الله ابراهيم الذي استطاعت امه اخفائه من الجنود حتى كبر وأصبح شابًا..
وفي يوم من الايام وبالتحديد في عيد الربيع الخاص بمملكة نمرود قام سيدنا ابراهيم بالحادثة الشهيرة عندما قام بتحطيم جميع ألهة المملكة الا واحد كبير .. ترك فأسه على ذلك التمثال ولم يحطمه ..
عندما شاهد الجميع تماثيل الألهة محطمة لم يبادر في ذهنهم الا ابراهيم لعلمهم بكرهه الشديد لهم فذهبوا اليه وسألوه ..
يا ابراهيم هل انت من قام بذلك ؟؟ فأجاب عليهم بذكاء : بل فعلها كبيرهم هذا اسألوه ان كان ينطق ..
وصل الامر بسرعة البرق للملك نمرود فثار ثورة شديدة و بدأ بنفسه يتحرك وسط جنوده متجها الى ابراهيم وقرر النمرود معاقبة ابراهيم و امر جنوده بإشعال نار هائلة يصل لهيبها الى السماء حتى انهم ظلوا اياما يجمعون الحطب لاشعال هذه النار ..
فلما اوقدوا النار التي يقال انها كانت اعظم نار اوقدت على الارض .. امر نمرود بإلقاء ابراهيم فيها حياً وتركوه بداخلها ليالي حتى انطفأت واصبحت رماد لتحدث المعجزة ويخرج منها سيدنا ابراهيم سالما وسط دهشة الجميع!!!!
وذكر ابن كثير والقرطبي والشوكاني:
أن النمرود تعجب كيف نجا إبراهيم عليه السلام من النار التي أعدها قومه لتحرقه فنجاه الله بأمره فأراد النمرود مناظرته ومجادلته في أمر ربه» وعندها امر النمرود ب احضار ابراهيم حالًا!!
بدأت المناظرة المرتقبة ..!
النمرود سأل إبراهيم :
ماذا يفعل ربك هذا ؟
فقال إبراهيم : ربي يحيي ويميت .
فقال النمرود : وأنا أحيي وأميت وأمر حراسه بإحضار مسجونين محكوم عليهما بالموت فأطلق سراح أحدهما وأمر بإعدام الآخر متصوراً أنه سالب روحه..
فقال النمرود: ماذا يفعل ربك أيضاً؟
فردّ عليه السلام إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فإن كلّ يوم صباحاً تطلع الشمس من المشرق وذلك من صنع الله تعالى فإن كنت أنت إلهاً فاعكس الأمر وائت بالشمس من طرف المغرب
فبُهت النمرود..
فيأتي قول الله تعالى في القرآن : ((ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين))
وقتها تأكد النمرود من ان الذي يقف امامه هذه المرة ليس ليعطيه سلطان او جاه كما حدث من قبل بل ليأخذ منه كل شيء ويدمر ما بناه في مئات السنين فبدأ يتكبر حتى على صديقه و معاونه و احد جنوده كما كان يعتقد .. بمعنى أصح تكبر على ابليس ..
غضب النمرود واشتد غضبه من الجميع فثار حتى على ابليس نفسه فكيف وعدتني بالسلطان و السحر وها هو ابراهيم يخرج من النار سالما و ها هو يدعو الجميع لعبادة إله غيري .. وما زاد غضب نمرود اكثر هو ما حدث بعد ذلك!
قال المفسرون نقلًا عن زيد بن أسلم الذي قال: بعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكًا يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه ثم دعاه الثانية فأبى عليه ثم دعاه الثالثة فأبى عليه وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي ... تخيلوا!!
نعم.. لقد ارسل الله الى نمرود ٣ مرات يأمره بالايمان و لكنه رفض و استكبر وزاد في طغيانه للدرجة التي قال فيها ( انا الله ولا إله غيري ) ..
وأوضح ابن كثير في كتابه : فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس كما طلب منه ذلك الملك ووافق على التحدي ..
وهكذا كانت نهايته :
ولكن المفاجأة كانت ان الله عز وجل ارسل عليه جيوشًا من الباعوض لم يرى احد مثلها من قبل لدرجة انها حجبت عين الشمس فسلّطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم في دقائق وتركتهم عظامًا بادية .. هلع النمرود ومن تبقى من جيشه وهرب للإختباء في القصر ولكن بعد فوات الاوان ..
دخلت باعوضة صغيرة في أنف النمرود فمكثت في رأسه أربعمائة سنة وهي تساوي مقدار الفترة التي نصب فيها نفسه ملكًا فعاش ٤٠٠ عام كملك و ٤٠٠ عام اخرى في عذاب عظيم فكان يضْرب رأسُه بكل شيء حوله في هذه المدة كلها لكي يتوقف الألم حتى أهلكه الله عز وجل بها ومات أعظم طاغية على وجه البشرية..
تلك هي قصة النمرود وكانت له حضارته في بابل وخلف فيها كنوزاً لا تقدر بثمن وهذه الكنوز كما معروف أنها في بلاد الرافدين في العراق وكان البعض من هذه الكنوز والآثار معروضة في المتحف الوطني العراقي والبعض الآخر منها تم حفظه في خزائن سرية تحت الأرض في خزائن البنك المركزي العراقي..